الأمير سلطان والراعي

محمود فهد
المؤلف محمود فهد
تاريخ النشر
آخر تحديث

 

الأمير والراعي 


في قديم الزمان، وفي مملكة واسعة الأرجاء، كان يحكم الأمير الشاب سلطان. عُرف الأمير سلطان بشجاعته في ساحات القتال، وبذكائه في إدارة شؤون الحكم، لكنه كان أحيانًا يغفل عن أحوال البسطاء من شعبه، منغمسًا في شؤون القصر ومجالس النبلاء.


ذات يوم، قرر الأمير سلطان أن يخرج في رحلة صيد طويلة في الصحراء الشاسعة. انطلق مع حاشيته، ولكن عاصفة رملية قوية هبّت فجأة، ففرّقت الجمع، ووجد الأمير نفسه وحيدًا، تائهًا، قد أضلّ طريقه. اشتد به العطش والتعب، وكاد اليأس يتملكه.


بعد مسير طويل، لمح الأمير من بعيد خيمة صغيرة ودخانًا يتصاعد منها. استجمع قواه وتوجه نحوها، فوجد راعيًا بسيط الهيئة، يجلس أمام خيمته يشوي بعض الخبز على نار هادئة، وأغنامه ترعى بسلام حوله.


تقدم الأمير من الراعي وقال بصوت متعب: "أيها الرجل الطيب، لقد أضللت طريقي، فهل أجد عندك بعض الماء وكسرة خبز؟"


نظر الراعي، واسمه عامر، إلى الأمير دون أن يعرف هويته، فرأى عليه علامات الإجهاد. رحب به قائلًا: "أهلاً بك أيها الضيف. تفضل، فالماء والزاد موجود، والبيت بيتك."


قدم عامر للأمير ماءً باردًا من قربته، وقطعة من الخبز الطازج مع بعض التمر. أكل الأمير بشهية لم يعهدها من قبل، وشعر أن هذا الطعام البسيط ألذ من أي مأدبة فاخرة تناولها في قصره.


بعد أن استراح الأمير، دار بينه وبين الراعي حديث. سأل الأمير: "ألا تشعر بالوحدة في هذه الصحراء القاحلة يا عامر؟ ألا تتوق إلى حياة المدن وصخبها؟"


ابتسم الراعي عامر وقال: "يا سيدي، الوحدة الحقيقية هي وحدة القلب، لا وحدة المكان. أنا هنا أجد صحبتي في نجوم الليل، وفي شروق الشمس وغروبها، وفي أغنامي هذه التي أرعاها. قلبي مطمئن ومرتاح البال، فماذا أريد أكثر من ذلك؟ أما صخب المدن، ففيه من الهموم ما يكفي أهلها."


استمع الأمير باهتمام، ثم سأل: "وماذا عن الحاكم؟ هل أنت راضٍ عنه؟ هل تصل أخباركم إليه؟"


أجاب عامر بحكمة: "الحاكم، كائناً من كان، له علينا حق الطاعة ما أطاع الله فينا. أما عن وصول أخبارنا إليه، فأتمنى أن يكون له عيون وآذان بين الناس البسطاء، ليعرف أحوالهم عن قرب، لا عن طريق بطانة قد تُزيّن له الأمور أو تخفيها."


صمت الأمير سلطان طويلًا، يفكر في كلام الراعي. لقد فتح عينيه على أمور كان يغفل عنها. قضى الأمير ليلته في خيمة الراعي، وفي الصباح، دله عامر على طريق العودة إلى المدينة.


قبل أن يفارقه، كشف الأمير عن هويته وقال: "أنا الأمير سلطان يا عامر. ولقد تعلمت منك في هذه الليلة ما لم أتعلمه في سنين طويلة في القصر. لك مني جزيل الشكر، وسأكافئك على كرمك."


ابتسم الراعي عامر وقال: "يا سيدي الأمير، كرم الضيف واجب، ولا أنتظر عليه جزاءً إلا من الله. أما أعظم مكافأة لي، فهي أن أرى العدل والرخاء يعمان البلاد، وأن يكون الأمير قريبًا من شعبه، يسمع شكواهم ويلبي حاجاتهم."


عاد الأمير سلطان إلى قصره، ولكنه لم يعد كما كان. أصبح أكثر تواضعًا، وأكثر اهتمامًا بشؤون رعيته. أمر بتفقد أحوال القرى النائية، وأنشأ مجلسًا يستمع فيه مباشرة لشكاوى الناس،


وكان كثيرًا ما يتنكر ويخرج بين العامة ليرى أحوالهم بنفسه، متذكرًا دائمًا حكمة الراعي البسيط عامر، الذي علّمه أن القيادة الحقيقية تكمن في خدمة الناس والقرب منهم.

#الأمير #الراعي #الحكمة #العدل #التواضع




تعليقات

عدد التعليقات : 0