حكمة الأسد

محمود فهد
المؤلف محمود فهد
تاريخ النشر
آخر تحديث

حين يفكّر الأسد...


بلغني – كما بلغ الحكماء من قبل – أنَّ أسدًا مهيبًا كان يسير في أرضه ذات مساء، يتأمل الغابة من عليائه، يحفظ النظام بين السباع، ويحكم بعدلٍ وهيبة، فخرج له خنزير من الوحل، يمشي مختالًا، وقد نفخ صدره ورفع رأسه، ثم صاح بصوتٍ غليظ:


– "أيها الأسد! قاتلنِي إن كنتَ شجاعًا!"


توقف الأسد، ونظر إليه بنظرة لم تكن غضبًا، بل كانت..دهشةً واستغرابًا.

تقدّم قليلا، ثم قال بصوت هادئ ملؤه الحكمة:


– "أُقاتلك؟ ولماذا أقاتلك يا ابن الوحل؟ أنت لست من صنفي، ولا تملك من الشرف أو القوة ما يجعلك ندًّا لي!"


ضحك الخنزير ساخرًا، وقال:

– "أخَافتُكَ هيبتي إذًا؟! يبدو أنك لستَ كما يقال عنك بين السباع!"


اقترب الأسد بخطوات ثابتة، وزأر زئيرًا خافتًا لم يُرد به الرعب، بل الصمت من حوله:


– "اسمع أيها البائس، إن قاتلتُك وقتلتُك، فلن يُقال: (الأسد الشجاع قتل عدوًا قويًا)، بل سيقولون: (الأسد أراق هيبته في دم خنزير)، وإن أصابني منك أذى، قيل: (الخنزير لوّث الأسد)، فمهما كانت النتيجة، فالشرف بعيد عنك، والعار قريب مني."


زمجر الخنزير بصوتٍ غاضب:

– "إن لم تفعل، سأعود إلى الغابة، وأصرخ بأني رأيت الأسد يفرُّ من أمامي!"


هنا، اقترب الأسد أكثر، حتى كاد أن يلامس وجه الخنزير بأنفه، ثم همس له:

– "اكذب ما شئت... فاحتمال الكذب أهون عليّ من أن أُلطّخ شاربي بدمك!"

ثم استدار الأسد، ومضى بخطى واثقة، لا يلتفت لصوت الخنزير الذي ظلّ يصرخ من خلفه...


**


وفي اليوم التالي، اجتمع سباع الغابة في الميدان، يتداولون ما سمعوه من الخنزير، الذي قال متفاخرًا:

– "لقد هرب الأسد من أمامي، ورأيتموه كيف ولى دون أن يجرؤ على قتالي!"


ضحك النمر العجوز وقال للحضور:

– "ومنذ متى صار الكذب نصرًا؟ لو كان الأسد خائفًا، لما مشى إليك حتى التصق بك، ولكنه أدرك أنَّ قتالك خسارة من كل جانب، فأعطاك أكبر صفعة دون أن يرفع مخالبه: صفعة التجاهل."


همس الذئب في أذن رفيقه:

– "هذا هو الفرق بين ملك الغابة... وابن الوحل."


**


العِبرة :


في حياتك، ستقابل كثيرين كذاك الخنزير...

يستدرجونك إلى معارك لا تليق بك، لا لأنك عاجز، بل لأنك أعقل.

احذر أن تُنزل نفسك إلى مستواهم، فإن فعلت، تساويت معهم، حتى وإن ربحت.


ليست كل معركة تستحقّ السيف، فبعضها تُربح بالصمت، وأخرى تُربح بخطوة واحدة إلى الخلف، ثم مضيّ إلى الأمام دون التفات.



تعليقات

عدد التعليقات : 0