ليالي صيفية

محمود فهد
المؤلف محمود فهد
تاريخ النشر
آخر تحديث



 تحت سماء الصيف الصافية، حين كانت النجوم تتلألأ كأحجار كريمة في قبة السماء، وقف الفتى ذو الثلاثة عشر عامًا تحت شرفة بيت آل سِنّة، مغمورًا بمشاعر لم يكن يعي تمامًا عمقها ولا معناها في تلك اللحظة. 

 كل ما كان يدركه هو أن قلبه ينبض بطريقة مختلفة، وكأنه قد اكتشف للتو حقيقة جديدة في هذا العالم المليء بالأسرار.

 كان أسمها نائلة وكانت هناك، بوجهها الذي يعكس ضوء القمر الفضي، وشعرها الطويل الذي يتمايل مع نسيم الليل كأمواج هادئة على شاطئ البحر. كانت تبدو كأنها لوحة فنية من صنع القدر، لوحة جعلته يشعر بشيء أكبر من مجرد الإعجاب. كان ذلك حبّه الأول، حب بريء وطفولي، لكنه حقيقي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

  في تلك الليلة، لم يكن هناك سوى الفتى، الفتاة، والقمر الذي يشهد على مشاعره الصامتة. لم يجرؤ يومًا على التعبير عن ما يشعر به. 

  كان يتردد كل ليلة ليقف تحت تلك الشرفة، لعله يراها ولو لمحة واحدة، وفي كل مرة كان يشعر بنفس الدفء يغمر قلبه. كان يعلم أن هذه المشاعر قد لا تجد طريقها إلى قلبها، لكنه كان سعيدًا فقط لمجرد وجودها في حياته، ولو من بعيد.

  مرت الأيام وتوالت السنين، وتلك الليالي الصيفية أصبحت ذكرى بعيدة. اليوم، وهو في الرابعة والخمسين من عمره، يجد نفسه يتذكر تلك اللحظات وكأنها حدثت بالأمس. كيف يمكن لذكرى حب طفولي أن تبقى حية بهذا الشكل في قلب رجل عاش الحياة بكل تقلباتها؟ ربما لأنه كان حبًا نقيًا، خاليًا من كل تعقيدات العالم، حب كان يعبر عن براءة الأيام الأولى.

  يتساءل بينه وبين نفسه: هل كانت تلك الفتاة تشعر بشيء تجاهه؟ هل كانت تدرك أنه كان يقف تحت شرفتها كل ليلة، منتظرًا رؤيتها ولو للحظة؟ أم أنها كانت مجرد ذكرى عابرة في حياتها؟ مهما كانت الإجابة، فإنه يعلم الآن أن ما عاشه في تلك الأيام لم يكن مجرد لحظة عابرة، بل كان بداية لرحلة طويلة من المشاعر.

  واليوم، عندما يجلس في سكون الليل، وعندما يتسرب الضوء الخافت للقمر إلى غرفته، يجد نفسه يعود بذاكرته إلى تلك الليالي، حيث كان الحب يملأ قلبه بطرق لم يعرفها من قبل. يشعر بالحنين، لكن ليس للفتاة بحد ذاتها، بل لتلك الأيام البسيطة، لتلك الليالي التي كانت مليئة بالأمل والتوقعات.

  ربما لم يكن ذلك الحب متبادلًا، وربما لم يكن حتى معروفًا، لكنه كان جزءًا من رحلته، جزءًا من تكوين شخصيته، وجزءًا من ذكريات تحمل في طياتها الكثير من المعاني. 

  اليوم، وفي الرابعة والخمسين من عمره، لا يزال يشعر بتلك الذكريات وكأنها جزء حي منه، ذكريات تذكره دائمًا بأن الحب، مهما كان بسيطًا أو عابرًا، يترك أثرًا لا يمحوه الزمن.

ليلي صيفية

تعليقات

عدد التعليقات : 0