الزوجة الصالحة

محمود فهد
المؤلف محمود فهد
تاريخ النشر
آخر تحديث

 كانت زوجتي لديها عادة لا يمكنها الاستغناء عنها، وهي أن تستيقظ قبل الفجر بنصف ساعة!

حتى في أشد البرد كانت تقوم وتبدأ ترتب للصلاة، كأنها تصلي آخر ركعتين في حياتها. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل كانت تفضل الجلوس تدعو حتى طلوع الفجر.

مر وقت طويل وهي ملتزمة بهذا العهد، وبدأ الأمر يتطور، فصارت تلح عليّ وتوقظني معها قائلة:

"قُم صلِّ لتكون في ذمة الله!"

كنت أستيقظ بصعوبة، وفي يوم كان الجو بارداً، وعندما اقتربت لتوقظني، دفعتها وشدت اللحاف على وجهي وحاولت أن أنام، لكن الجوع قرصني ومنع النوم عني، فناديتها وقلت:

"اذهبي اصنعي لي ساندويتش."

نظرت إليّ بغضب وقالت: "لا يوجد خبز في البيت."

قمت من على السرير بعصبية، لبست ونزلت لأشتري الخبز، وعندما عدت وجدتها تنظر إليّ بنظرات ملؤها اللوم، كأنها تقول:

"الآن لبست ونزلت، وعندما كان الله يناديك كنت تكسل!"

بعد ذلك أصبت بحصوة في الكلية لم تكن تسمح لي بالنوم، وكنت أصرخ من الألم، وقال الأطباء: "العلاج سيأخذ وقتاً حتى تتفتت وتنزل بمفردها."

كان الألم يزداد تحديداً عند أذان الفجر، حتى أنني لم أكن أستطيع الهروب منه حتى في النوم، ولهذا بدأت أستجيب لرغبة زوجتي ونداء ربي. 

"نذهب إليه ونحن أذلة، لكن متى سنبدأ أن نذهب إليه ونحن في صحة وعافية؟"

في ذلك الوقت علمتني زوجتي دعاءً لم أكن أتوقف عن قوله:

«اللهم طريقًا غائمًا بلطفك لا وقوع فيه ولا تعثر، إنما غيثاً من لدنك يروي قلوبنا العطشى.»

وعلمتني أن أستشعر وجود الله بالذكر دائماً، لأن الإعراض عن الذكر ليس فقط باللسان، بل أيضاً بالقلب واللسان والجوارح.

دخلت المسجد في يوم، وبعد الصلاة جلس الإمام معنا في حلقة وسأل كل واحد منا: ما الذي جاء بك إلى هنا الآن؟

رفع أحدهم يده وقال: "بقيت عشر سنوات بدون إنجاب، وعندما صليت الفجر في يوم ودعوت ربي بدموع، وجدت زوجتي حاملاً بعد ذلك بيوم، ومنذ ذلك الوقت وأنا هنا."

وقال آخر بتعب: "جاءني السرطان وكنت على حافة الموت، وربنا نجاني بصلاة الفجر والصدقة، ومنذ ذلك الحين لا أعرف النوم، وربنا يناديني."

وقال آخر وعيونه تلمع: "كنت مسيحياً، وعندما ذاق قلبي طعم الإسلام، لم أستطع الابتعاد عنه لحظة."

"تبيّن أن لكل واحد حكاية مع صلاة الفجر ومعجزاتها."

جلست أستمع وأنا مستغرب، كل قصة تعجب العقل.

وعندما جاء دوري، لم أجد ما أقول، فوجدت لساني يقول:

"زوجتي هي التي جلبتني إلى هنا."

في تلك اللحظة قام الشيخ، وقف وأحضر لي كتاباً بعنوان:

"الحور العين"

وأمسك يدي وقال بسعادة: "سلّمها هذا الكتاب واحتفظ بها، وقُل لها هنيئاً لكِ الجنة."

شعرت بالخجل من نفسي على كل مرة ضربتها أو دفعتها لأنني أردت أن أصلي وأستقيم، وبرغم كل ذلك كانت تنسى كل شيء وتعود تنصحني من جديد!

اليوم، وبعد ثلاثين سنة، أقول إنني لم أشعر بقيمتها إلا عندما كبر ابني، وهو متربي وسط هكذا مجتمع !

دخل كلية الطب، ختم القرآن كاملاً، وحفظ عشرة آلاف حديث مع التفسير أيضاً!

عندما كانت أمه على فراش الموت، شعرت أن كل شيء جميل يرحل معها، وأن الجميل سيمضي، والمر هو الذي سيكمل معه حياته.

الحياة قصيرة جداً فلتكن بجانب زوجة صالحة تحبك!

أتمنى لو يعود الزمن مرة أخرى لأعيش الدنيا معها مرة أخرى، لكن بشكل مختلف، كل مرة لم أقدرها فيها سأعود وأقدرها.

أعوّضها عن كل مرة لم أشعر فيها بقيمتها لمجرد أنني اعتدت على وجودها فقط. لو فقط يعود الزمن!

لكن للأسف، لن يرجع، وهي لن تعود !

التقدير والحب هما الوقود الذي تستمر به العلاقات. 

الزوجة الصالحة نبتة قلبك، إن أصلحت سقايتها ازدهرت ، وإن أهملتها انطفأ نورها وضوؤها.

الحياة قصيرة جداً.. لنحرص ان تكون بجانب أشخاص يحبوننا. 




تعليقات

عدد التعليقات : 0