غراب قصر الضباب

محمود فهد
المؤلف محمود فهد
تاريخ النشر
آخر تحديث
قصر الضباب
في قرية بعيدة، تلفها الغابات من كل الجهات، كان هناك قصر قديم يسمّيه الناس "قصر الضباب". لا أحد يجرؤ على الاقتراب منه، فالضباب يحيط به دائمًا، حتى في الأيام المشمسة. وتقول الأسطورة إن القصر يختار من يجرؤ على تحديه، ليصبح جزءًا من أسراره. لكن لورين، فتاة في الثانية عشرة من عمرها، لم تؤمن بالأساطير. كانت فضولية، تحب المغامرة وقراءة الكتب الغامضة. وفي صباح خريفي بارد، قررت أن تذهب إلى القصر وحدها، رغم تحذيرات جدتها التي قالت لها: "إن القصر لا يحب المتطفلين... إلا إن كان ينتظرهم." دخلت لورين الحديقة الخلفية، وهناك رأت مشهدًا غريبًا: طاولة حديدية، عليها طقم شاي قديم، وثلاث شموع مشتعلة رغم الرطوبة، وغراب أسود يقف بثبات فوق كومة كتب. نظر إليها الغراب بعينين ذكيتين وقال بصوت بشري عميق: "لقد وصلتِ يا لورين... تأخرتِ قليلًا." ارتجفت لورين، لكنها تماسكت وسألت: "من أنت؟ وكيف تعرف اسمي؟" قال الغراب: "أنا الحارس. مهمتي تبدأ حين تصل القصة إلى بطلها. أمامك ثلاث مهام داخل القصر. إن أكملتها قبل حلول منتصف الليل، تنجو. وإن فشلت... تصبحين ذكرى أخرى داخل جدرانه." ورغم الخوف، وافقت لورين. فتح الغراب جناحيه فتبدد الضباب قليلاً، وظهرت أمامها أبواب القصر. المهمة الأولى: في القاعة الكبرى، وجدت ساعة قديمة تدق، رغم أنها لا تعمل. بجانبها مرآة مغطاة بالقماش. حين نزعت الغطاء، رأت في المرآة صورة لغرفة لا تشبه أي مكان رأته من قبل. فجأة، كُتب على المرآة: "أين يسكن الصوت بلا صدى؟" عرفت الجواب: المكتبة، لأنها تمتص الأصوات بالكتب. وعندما دخلت المكتبة، وجدت مفتاحًا فضيًا مخفيًا داخل كتاب بعنوان "رحلات بلا عودة". المهمة الثانية: صعدت إلى الطابق العلوي. على الجدار كانت هناك ثلاث لوحات، كل واحدة فيها صورة فتاة تشبهها، لكن بأعمار مختلفة. وتحت كل لوحة لغز: "أنا أنتِ، لكنني لست الآن. من أكون؟" أجابت لورين: "أنا في المستقبل." عندها، تحركت اللوحات، وفتحت خلفها غرفة سرية، فيها صندوق مغلق يحتاج للمفتاح الذي وجدته. المهمة الثالثة: في الصندوق، وجدت شمعة سوداء، وكتابًا بغلاف أسود كتب عليه بخط ذهبي: "قصة لورين". فتحت الكتاب وقرأت: "حين تُنهي لورين رحلتها، وتضيء الشمعة السوداء، تعود الحياة إلى الحديقة، ويُحرر الحارس من قيوده." فهمت أنها ليست وحدها من دخل القصر، بل الغراب نفسه كان إنسانًا، حُبس داخل طائر منذ مئة عام. أضاءت الشمعة، فانطفأت الشموع الثلاث الأخرى، واختفى الضباب. خرج الغراب من بين الدخان، وقد عاد شابًا في العشرينات، شاكرًا لورين. وقال لها: "القصر لن يختارك مجددًا... لكن سيختار غيرك. تذكري، ليست كل الأساطير خرافات." ومنذ ذلك اليوم، اختفى القصر عن أنظار سكان القرية... لكن لورين، كلما نظرت في المرآة، ترى فيه ظل طاولة شاي... وكتابًا لم يُكتب بعد.

تعليقات

عدد التعليقات : 0