ظلال الياسمين

محمود فهد
المؤلف محمود فهد
تاريخ النشر
آخر تحديث

  


الفصل الأول: عبق البدايات


في حيّ الصالحية بدمشق، عام 1905، كانت الحياة تنبض على وقع خطوات الباعة وأصوات البسطاء، وتنساب رائحة الياسمين من النوافذ العتيقة لتغسل التعب عن الأرواح. هناك وُلدت ليلى، ابنة التاجر المعروف عبد الجليل الحمصي، الذي كان يملك محلاً لبيع الأقمشة الحريرية في سوق الحميدية. كانت ليلى فتاة متعلمة، على غير عادة بنات زمانها، درست على يد معلم خاص أتى به والدها من بيروت، وكان يلقبها بـ"حبر الشام" لبلاغتها وشغفها بالقراءة.


في الطرف الآخر من المدينة، في حيّ باب توما، عاش سامر الخشّاف، شاب يتيم نشأ في كنف عمّه، وكان يعمل نقاشاً على الخشب في خان أسعد باشا. رغم فقره، كانت أحلامه تمتد كقوس قزح بعد المطر، وكانت أنامله تحوّل الخشب إلى قصائد صامتة.


الفصل الثاني: لقاءان ومفترق طرق


التقت ليلى بسامر صدفة في معرض للأعمال اليدوية نظمته جمعية أهلية نسوية، حيث كان يعرض إحدى لوحاته المنقوشة التي جسّدت مشهداً من أسطورة زرقاء اليمامة. انبهرت ليلى بفنه، وانبهر سامر بثقافتها وجرأتها.


سرعان ما توالت اللقاءات السرية بينهما تحت ظلال التين في بساتين المزة، لكنها كانت علاقة ممنوعة؛ ففارق الطبقات بينهما كان حاجزاً فولاذياً. ومع ازدياد الضغوط، حاول سامر أن يرتقي بمكانته. سافر إلى حلب لتعلم فن النقش الدمشقي الدقيق على النحاس، وعاد بعد عامين يحمل اسماً وصيتاً، لكن ليلى كانت قد خُطبت لابن عمها، الضابط الشاب نجيب بك، الذي عاد لتوّه من إسطنبول.


الفصل الثالث: المؤامرة

لم يكن نجيب رجلاً عادياً، بل كان مخبراً يعمل لصالح السلطات العثمانية، يلاحق كل من تسوّل له نفسه التمرد أو الانضمام إلى الحركات القومية. اشتبه بأن سامر ينتمي لجمعية سرية تروّج لاستقلال العرب عن السلطنة، واستغل حب سامر لليلى لإيقاعه. دسّ له كتابات تحريضية، وأبلغ عنه.


سُجن سامر في قلعة دمشق، وهناك تعرّف إلى رجال مقاومة حقيقيين، وبدأ يتغيّر فكره. لم يكن الحب وحده من يدفعه الآن، بل الكرامة.


الفصل الرابع: التحوّل


ليلى، وبعد أن علمت بالخديعة، تمردت على خطيبها، وهربت من بيت والدها إلى بيت قريبتها الأرملة، وانضمت إلى حلقة نسائية تكتب مقالات وطنية بأسماء مستعارة في جريدة "المقتبس". وبتعاون سري مع قنصل فرنسي، ساعدت على تهريب رسالة من سامر تكشف المؤامرة، مما أدى لإطلاق سراحه بعد سنتين من الاعتقال.


الفصل الخامس: ما بعد الغبار

عاد سامر حراً، لكن حبيبته لم تكن حرة بالكامل. فبعد فضيحة خطوبتها الملغاة، حُرمت من الميراث وتم نفيها قسرياً إلى بيت بعيد في حلب. 

سامر، وقد أصبح عضواً فاعلاً في الجمعية العربية للتحرر، قرر أن يفعل ما هو أكبر من الحب، وأخذ على عاتقه مهمة تشكيل وحدة مقاومة مدنية في دمشق.


بعد أشهر، اندلعت الحرب العالمية الأولى، وانشغلت السلطنة، فتغيّر وجه المدينة. في خضمّ هذا، كانت ليلى تنسج من الظلّ كلمات تُلهب القلوب، وسامر يقود عملاً سرياً لتحرير الأسرى وتوزيع المطبوعات الوطنية.


الفصل السادس: النهاية على رائحة الياسمين


في عام 1918، دخل الفيصل بن الحسين دمشق، وأُعلن عن قيام الحكومة العربية. اجتمع سامر وليلى في ساحة المرجة حيث الناس يهتفون "يحيا الاستقلال"، والدموع تسبق الكلمات.


لكن نهاية القصة ليست في اللقاء، بل في الأثر. ليلى أصبحت أول امرأة تكتب في جريدة "القبس" باسمها الصريح. وسامر أنشأ ورشة فنون تراثية لتدريب اليتامى على النقش.


العبرة:


الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، والحبّ الحقيقي لا يموت بل يتحول، يصبح وقوداً لحياة أكبر، وأصدق. في دمشق، المدينة التي يروي حجارتها التاريخ، يظل الياسمين شاهداً على قصص الحبّ التي تحدّت القيد، والخيانة، والنسيان.





تعليقات

عدد التعليقات : 0