زاوية في منزلنا القديم

محمود فهد
المؤلف محمود فهد
تاريخ النشر
آخر تحديث

 

زاوية في منزلنا القديم
  في تلك الزاوية من الزمن، تتجسد ملامح الماضي بكل تفاصيله الهادئة. تلك الغرفة التي تبدو وكأنها محبوسة بين جدرانها ذكريات لا تحصى، تحمل بين طياتها عبق الأيام الخوالي. 

  الكرسي العتيق، المغطى بقماش منقوش بزهور بسيطة، يتربع هناك كحارس للذكريات، بينما تستند عليه جريدة مهترئة ربما تُقرأ للمرة الألف في محاولة للتواصل مع العالم الخارجي.

  أمام الكرسي، يقبع تلفاز قديم بصندوقه الخشبي وواجهته الزجاجية المنطفئة. تلفاز كان يوماً ما نافذة على العالم، يروي قصصاً عن أماكن بعيدة وأحداث لم يعرفها من يجلس أمامه. 

   كانت الأسرة تتجمع حوله في كل مساء، تستمع للأخبار أو تتابع برنامجاً اعتادوا مشاهدته. ولكن الآن، ها هو التلفاز صامت، كأنه قد اتخذ قراراً بالانسحاب من ضجيج الحياة ليعيش لحظة هدوء، تماماً كما فعل أصحابه من قبله.

  تلك المرآة الصغيرة المعلقة على الجدار تعكس شيئاً من الذكريات، ربما كانت يوماً ما تلتقط صور الحياة اليومية، تعكس ضحكة عابرة أو تعبير وجه حائر أمام تحديات الحياة. لكن الآن، تبدو المرآة كأنها تحتفظ بصمتها، تحرس تلك الذكريات بحرص، غير راغبة في أن تكشف عما تراه.

  هذه الغرفة القديمة لا تزال تحمل نبض الحياة رغم الهدوء الذي يسودها. هي ليست مجرد مكان، بل هي قصة كاملة، محبوسة في تلك التفاصيل الصغيرة التي لا يمكن إلا لمن عاشها أن يفهمها. هي ملاذ لأولئك الذين يرغبون في الهروب من صخب العالم، والعودة إلى لحظة سكون، حيث يمكنهم أن يجدوا أنفسهم، وأن يستعيدوا شيئاً مما فقدوه في زحمة الحياة.

   ربما الكرسي ينتظر أحداً ليجلس عليه من جديد، أو ربما التلفاز يأمل أن يعود ليبث الحياة من خلال شاشته مرة أخرى. ولكن في النهاية، هذه الزاوية ستظل شاهدة على الزمن الذي مر، وستبقى قصة لم تُكتب بعد، تنتظر من يعيد إحياءها بطريقته الخاصة.

تعليقات

عدد التعليقات : 0