الحطيئة

محمود فهد
المؤلف محمود فهد
تاريخ النشر
آخر تحديث
الحطيئة: سيرة الشاعر الهجّاء الذي لم يسلم من لسانه أحد
صورة الحطيئة

الحطيئة: سيرة الشاعر الهجّاء الذي لم يسلم من لسانه أحد

أبو مليكة جرول بن أوس العبسي (ت 59هـ) - نموذج فريد في الشعر العربي

مقدمة

يعد الحطيئة أحد أبرز شعراء الهجاء في التراث العربي، اشتهر بلسانه السليط وقلمه الجارح الذي لم يُبقِ أحداً من هجائه، حتى أقرب الناس إليه. تميز شعره بالجرأة والمباشرة، مما جعله ظاهرة فريدة في الأدب الجاهلي.

حياة الحطيئة: النشأة والظروف الاجتماعية

وُلد جرول بن أوس في قبيلة بني عبس في بيئة بدوية قاسية، عانى فيها من الفقر وعدم الاعتراف الاجتماعي. هذه الظروف الصعبة ساهمت في تشكيل شخصيته الساخطة ونزعته الهجائية.

أبرز محطات حياته:

  • نشأ يتيماً في وسط قبلي يقدّر الفروسية والكرم
  • عانى من النبذ الاجتماعي بسبب وضاعة نسبه
  • اتخذ من الشعر وسيلة للانتقام من مجتمع نبذه
  • عاش حياة مترحلة بين القبائل بسبب هجائه اللاذع

فن الهجاء عند الحطيئة

طور الحطيئة مدرسة خاصة في الهجاء تميزت بـ:

  1. الشخصنة: توجيه الهجاء المباشر للأفراد بأسمائهم
  2. المبالغة: استخدام الصور المفرطة في القبح
  3. الشمولية: عدم استثناء أي شخص من هجائه
  4. الواقعية: الاعتماد على عيوب حقيقية في المهجو

سمات الشعر الحطيئي

الخصائص الفنية:

  • استخدام المحسنات البديعية بكثافة
  • الاعتماد على المفارقة والسخرية
  • اللجوء إلى التشبيهات البعيدة
  • الجرأة في الطرح وعدم المواربة

الخصائص الموضوعية:

  • الهجاء الشخصي كغالبية الموضوعات
  • وصف القبح الجسدي والأخلاقي
  • التعبير عن الكراهية والحقد
  • نقد الذات في بعض الأحيان

هجاء الذات: عندما يوجه الشاعر سهام نقده لنفسه

بلغت جرأة الحطيئة حداً جعلته يهجو نفسه عندما لم يجد من يهجوه، في ظاهرة نادرة في الشعر العربي:

هجاء النفس

أَبَتْ شَفَتَايَ الْيَوْمَ إلا تَكَلُّمًا بِسُوءٍ فَمَا أَدْرِي لِمَنْ أَنَا قَائِلُهُ

أَرَى لِي وَجْهًا قَبَّحَ اللَّهُ خَلْقَهُ فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ وَقُبِّحَ حَامِلُهُ

الإرث الأدبي للحطيئة

رغم طبيعة شعره الجارحة، ترك الحطيئة أثراً كبيراً في الأدب العربي:

  • أصبح نموذجاً للشاعر الهجّاء الذي لا يخشى أحداً
  • أسس لمدرسة الهجاء الشخصي المباشر
  • أثر في شعراء العصور اللاحقة مثل جرير والفرزدق
  • أصبحت قصائده مرجعاً في دراسة السخرية في الأدب

نماذج من أشعاره

هجاء الزوجة

لَهَا جِسْمُ بُرْغُوثٍ وَسَاقُ بَعُوضَةٍ وَوَجْهٌ كَوَجْهِ الْقِرْدِ بَلْ هُوَ أَقْبَحُ

تَبْرُقُ عَيْنَاهَا إذَا مَا رَأَيْتَهَا وَتَعْبِسُ فِي وَجْهِ الْجَلِيسِ وَتَكْلَحُ

لَهَا مَضْحَكٌ كَالْحَشِّ تَحْسِبُ أَنَّهَا إذَا ضَحِكَتْ فِي أَوْجُهِ النَّاسِ تَسْلَحُ

إذَا عَايَنَ الشَّيْطَانُ صُورَةَ وَجْهِهَا تَعَوَّذَ مِنْهَا حِينَ يُمْسِي وَيُصْبِحُ

هجاء الأقارب

لـحـاكَ اللهُ ثـمَّ لـحـاكَ حـقـاً أبـا ولحــاكَ مـن عـمٍ وخــالِ

فنِعْمَ الشيخُ أنتَ لدى المخازي وبئسَ الشيخُ أنتَ لدى المعالي

هجاء الأم

تَنَحِّي فَاجْلِسِي عَنِّي بَعِيدًا أَرَاحَ اللَّهُ مِنْكِ الْعَالَمِينَا

أَغْرِبَالًا إذَا اُسْتُوْدِعَتْ سِرًّا وَكَانُونًا عَلَى المُتَحَدِّثِينَا

حَيَاتُكِ - مَا عَلِمْتُ - حَيَاةَ سُوءٍ وَمَوْتُكِ قَدْ يُسِرُّ الصَّاحِبِينَا

خاتمة

يمثل الحطيئة ظاهرة أدبية فريدة في الشعر العربي، حيث حول معاناته الشخصية إلى فن شعري متميز. رغم قسوة هجائه، إلا أنه قدم صورة صادقة عن جانب مهم من الحياة العربية في العصر الجاهلي. يبقى شعره شاهدا على قدرة الأدب على تحويل الآلام الشخصية إلى إبداع خالد.

تعليقات

عدد التعليقات : 0