بدر شاكر السياب: شاعر المقاومة والوجع
مقدمة
يُعدّ بدر شاكر السياب واحداً من أبرز شعراء العراق والعالم العربي في القرن العشرين، وأحد رواد الشعر الحر في العراق و العالم العربي. لقد أثّر على حركة الشعر العربي بشكل ملحوظ بأسلوبه المُبتكر ومواضيعه المُلهمة التي تجسّدت في معاناة الشعب العراقي والمُثُل النبيلة التي ناضل من أجلها.
نشأته وحياته
وُلد بدر شاكر عبد الجبار السياب في الـ 25 من ديسمبر عام 1926 في مدينة القرنة في جنوب العراق، في قرية إسمها جيكور، التي كان يعاني معظمها شظف العيش وضيق الرزق، وكان أبوه تمّارا ومزارعا.رُزق والده بثلاثة أبناءهم بدر ومصطفى وعبد الله، وسرعان ما فقد حنان أمه، إذ توفيت وهو في السادسة من عمره، فتولّت جدته الإشراف على رعايته وحضانته.تأثر كثيراً بفقد والدته، فذاق مرارة اليتم طوال حياته، وفي مرحلة طفولته عانى عقدة المرض وضعف الجسم. وعندما كبر تزوّج من إقبال طه عبد الجليل وأنجب منها أبنائه غيداء وغيلان وآلاء.
تعليمه
درس الابتدائية في مدرسة باب سليمان الابتدائية، وفي المدرسة المحمودية في أبي الخصيب، ثم التحق بثانوية البصرة وأكمل فيها الثانوية العامة عام 1943، وكان ذكيا ومتميّزا على أقرانه. وعام 1944 انتقل إلى كلية التربية (دار المعلمين العليا) في بغداد طالبا في قسم اللغة العربية، لكنّه بعد سنة غيّر تخصصه إلى اللغة الإنجليزية وحصل على الإجازة سنة 1946. وخلال دراسته الجامعية تعمّق في اللغة الإنجليزية واشتغل بقراءة المنتج الثقافي لشعرائها، و خصوصاً شكسبير.وفي عام 1962، سافر إلى لندن للعلاج وانتسب إلى جامعة أكسفورد للحصول على شهادة الدكتوراه في الآداب.
تجربته الإبداعية
أُطلق على السياب اسم "شاعر المقاومة والوجع" لكونه ناضل من أجل تحرير وطنه من الاستعمار و الظلم ، حيث عايش بدر أواخر الانتداب البريطاني في العراق ومراحل ميلاد الاستقلال عام 1932، و عكست قصائده ألمه من واقع المجتمع العراقي المُتخلف ومن الفقر و الظلم، حيث التحق في المرحلة الجامعية بالحزب الشيوعي، الذي استطاع في تلك الفترة جذب الكثير من المثقفين والطبقات العمالية والفلاحية المظلومة الناقمة على الحكم، التي كانت تشعر بالتهميش وتعاني الفقر. ولما كان الشعر له وقع خاص في قلوب الجماهير، انتخب بدر رئيساً لاتحاد الطلبة في دار المعلّمين وبزغ نجمه شاعراً ومناضلاً جسوراً في أروقة الجامعات. وبسبب مواقفه في الجامعة، حُرم السياب من امتحانات الفصل الثاني عام 1946م بتهمة تحريض الطلّاب على العصيان والإضراب. وفي عام 1949م، سُجن بسبب مواقفه السياسية المعارضة للحكومة و مُنع من التدريس 10 سنوات. و كان لإحتلال فلسطين عام 1948م وما تبعها من أحداث أثر عظيم في نفس الشاعر، فقرر التخلي عن الشيوعية، وانضم للقوميين العرب، وأصبح واحداً من الشعراء الذين يحملون هم الأمة العربية و القضية الفلسطينية في ضميره. وفي عام 1952م زادت الحكومة من حملة الاعتقالات وأغلقت العديد من الصحف، فهرب الشاعر بدر شاكر إلى الكويت بجواز سفر إيراني.
أهم قصائده
1."أنشودة المطر":
تُعتبر هذه القصيدة من أشهر قصائده، تُجسد معاناة الشعب العراقي في ظل الاحتلال والظلم ، و هي من أكثر قصائده أثرًا في الوجدان العربي.
عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ ،
أو شُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ .
عَيْنَاكِ حِينَ تَبْسُمَانِ تُورِقُ الكُرُومْ
وَتَرْقُصُ الأَضْوَاءُ ...كَالأَقْمَارِ في نَهَرْ
يَرُجُّهُ المِجْدَافُ وَهْنَاً سَاعَةَ السَّحَرْ
كَأَنَّمَا تَنْبُضُ في غَوْرَيْهِمَا ، النُّجُومْ ...
وَتَغْرَقَانِ في ضَبَابٍ مِنْ أَسَىً شَفِيفْ
كالبَحْرِ سَرَّحَ اليَدَيْنِ فَوْقَـهُ المَسَاء ،
دِفءُ الشِّتَاءِ فِيـهِ وَارْتِعَاشَةُ الخَرِيف ،
وَالمَوْتُ ، وَالميلادُ ، والظلامُ ، وَالضِّيَاء ؛
فَتَسْتَفِيق مِلء رُوحِي ، رَعْشَةُ البُكَاء
كَنَشْوَةِ الطِّفلِ إذا خَافَ مِنَ القَمَر !
كَأَنَّ أَقْوَاسَ السَّحَابِ تَشْرَبُ الغُيُومْ
وَقَطْرَةً فَقَطْرَةً تَذُوبُ في المَطَر ...
وَكَرْكَرَ الأَطْفَالُ في عَرَائِشِ الكُرُوم ،
وَدَغْدَغَتْ صَمْتَ العَصَافِيرِ عَلَى الشَّجَر
أُنْشُودَةُ المَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر...
مَطَر...
تَثَاءَبَ الْمَسَاءُ ، وَالغُيُومُ مَا تَزَال
تَسِحُّ مَا تَسِحّ من دُمُوعِهَا الثِّقَالْ .
كَأَنَّ طِفَلاً بَاتَ يَهْذِي قَبْلَ أنْ يَنَام :
بِأنَّ أمَّـهُ التي أَفَاقَ مُنْذُ عَامْ
فَلَمْ يَجِدْهَا ، ثُمَّ حِينَ لَجَّ في السُّؤَال
قَالوا لَهُ : " بَعْدَ غَدٍ تَعُودْ .. "
لا بدَّ أنْ تَعُودْ
وَإنْ تَهَامَسَ الرِّفَاقُ أنَّـها هُنَاكْ
في جَانِبِ التَّلِّ تَنَامُ نَوْمَةَ اللُّحُودْ
تَسفُّ مِنْ تُرَابِـهَا وَتَشْرَبُ المَطَر ؛
كَأَنَّ صَيَّادَاً حَزِينَاً يَجْمَعُ الشِّبَاك
وَيَنْثُرُ الغِنَاءَ حَيْثُ يَأْفلُ القَمَرْ .
مَطَر ...
مَطَر ...
أتعلمينَ أيَّ حُزْنٍ يبعثُ المَطَر ؟
وَكَيْفَ تَنْشج المزاريبُ إذا انْهَمَر ؟
وكَيفَ يَشْعُرُ الوَحِيدُ فِيهِ بِالضّيَاعِ ؟
بِلا انْتِهَاءٍ كَالدَّمِ الْمُرَاقِ ، كَالْجِياع ،
كَالْحُبِّ ، كَالأطْفَالِ ، كَالْمَوْتَى هُوَ الْمَطَر !
وَمُقْلَتَاكِ بِي تُطِيفَانِ مَعِ الْمَطَر
وَعَبْرَ أَمْوَاجِ الخَلِيج تَمْسَحُ البُرُوقْ
سَوَاحِلَ العِرَاقِ بِالنُّجُومِ وَالْمَحَار ،
كَأَنَّهَا تَهمُّ بِالشُّرُوق
فَيَسْحَب الليلُ عليها مِنْ دَمٍ دِثَارْ .
أصيح بالخليج : " يا خليجْ
يا واهبَ اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "
فيرجعُ الصَّدَى
كأنَّـه النشيجْ :
" يَا خَلِيجْ
يَا وَاهِبَ المَحَارِ وَالرَّدَى ... "
أَكَادُ أَسْمَعُ العِرَاقَ يذْخرُ الرعودْ
ويخزن البروق في السهولِ والجبالْ ،
حتى إذا ما فَضَّ عنها ختمَها الرِّجالْ
لم تترك الرياحُ من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ .
أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر
وأسمع القرى تَئِنُّ ، والمهاجرين
يُصَارِعُون بِالمجاذيف وبالقُلُوع ،
عَوَاصِفَ الخليج ، والرُّعُودَ ، منشدين :
" مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وفي العِرَاقِ جُوعْ
وينثر الغلالَ فيه مَوْسِمُ الحصادْ
لتشبعَ الغِرْبَان والجراد
وتطحن الشّوان والحَجَر
رِحَىً تَدُورُ في الحقول حولها بَشَرْ
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وَكَمْ ذَرَفْنَا لَيْلَةَ الرَّحِيلِ ، مِنْ دُمُوعْ
ثُمَّ اعْتَلَلْنَا خَوْفَ أَنْ نُلامَ بِالمَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
وَمُنْذُ أَنْ كُنَّا صِغَارَاً ، كَانَتِ السَّمَاء
تَغِيمُ في الشِّتَاء
وَيَهْطُل المَطَر ،
وَكُلَّ عَامٍ حِينَ يُعْشُب الثَّرَى نَجُوعْ
مَا مَرَّ عَامٌ وَالعِرَاقُ لَيْسَ فِيهِ جُوعْ .
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
في كُلِّ قَطْرَةٍ مِنَ المَطَر
حَمْرَاءُ أَوْ صَفْرَاءُ مِنْ أَجِنَّـةِ الزَّهَـرْ .
وَكُلّ دَمْعَةٍ مِنَ الجيَاعِ وَالعُرَاة
وَكُلّ قَطْرَةٍ تُرَاقُ مِنْ دَمِ العَبِيدْ
فَهيَ ابْتِسَامٌ في انْتِظَارِ مَبْسَمٍ جَدِيد
أو حُلْمَةٌ تَوَرَّدَتْ عَلَى فَمِ الوَلِيــدْ
في عَالَمِ الغَدِ الفَتِيِّ ، وَاهِب الحَيَاة !
مَطَر ...
مَطَر ...
مَطَر ...
سيُعْشِبُ العِرَاقُ بِالمَطَر ... "
أصِيحُ بالخليج : " يا خَلِيجْ ...
يا واهبَ اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "
فيرجعُ الصَّدَى
كأنَّـهُ النشيجْ :
" يا خليجْ
يا واهبَ المحارِ والردى . "
وينثر الخليجُ من هِبَاتِـهِ الكِثَارْ ،
عَلَى الرِّمَالِ ، : رغوه الأُجَاجَ ، والمحار
وما تبقَّى من عظام بائسٍ غريق
من المهاجرين ظلّ يشرب الردى
من لُجَّـة الخليج والقرار ،
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيقْ
من زهرة يربُّها الرفاتُ بالندى .
وأسمعُ الصَّدَى
يرنُّ في الخليج
" مطر .
مطر ..
مطر ...
في كلِّ قطرةٍ من المطرْ
حمراءُ أو صفراءُ من أَجِنَّـةِ الزَّهَـرْ .
وكلّ دمعة من الجياع والعراة
وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد
أو حُلْمَةٌ تورَّدتْ على فمِ الوليدْ
في عالَمِ الغَدِ الفَتِيِّ ، واهب الحياة . "
وَيَهْطُلُ المَطَرْ ...2. مرثية جيكور:
3. تموز جيكور:
4. العودة لجيكور:
5. رؤيا في عام 1956:
6. قاريء الدم:
7. ثعلب الموت:
8. المبغى:
9. النهر والموت:
10. المسيح بعد الصلب:
11. سوبروس:
12. مدينة بلا مطر:
13. بور سعيد:
14. المومس العمياء:
15. حفار القبور:
16. شناشيل ابنة الجلبي:
17. ارم ذات العماد:
18. في الليل:
19. في انتظار رسالة:
20. الباب تقرعه الرياح:
21. من ليالي السهاد:
22. خلا البيت:
23. جيكور والمدينة:
24. ها ها هو:
25. أحبيني:
26. يقولون تحيا:
27. وغدا سألقاها:
28. ليلة وداع:
29. أغنية بنات الجن:
30. جيكور أمي:
31. يا غربة الروح:
32. أم كلثوم والذكرى:
33. كيف لم أحببك:
34. أسير القراصنة:
35. نسيم من القبر:
36. في المستشفى:
37. سلوى:
38. متى نلتقي:
39. أظل من بشر:
40. القن والمجرة:
41. عكاز في الجحيم:
42. لوي مكنيس:
43. حميد:
44. المعول الحجري:
45. في غابة الظلام:
46. رسالة:
47. ليلة انتظار:
48. نفس وقبر:
49. إقبال والليل:
50. ليلى:
51. على الرابية:
52. رثاء جدتي:
53. سراج:
54. على الشاطيء:
55. شهداء الحرية:
56. أذكريني:
57. إليك شكاتي:
58. يوم السفر:
59. همسك الهاني:
60. أغنية السلوان:
61. الذكرى:
62. تنهدات:
63. تحية القرية:
64. يا ليل:
65. خيالك:
66. أغنية الراعي:
67. المساء الأخير:
68. شاعر:
69. مقطع بلا عنوان:
70. رثاء القطيع:
71. حورية النهر:
72. من أغاني الربيع:
73. ظلال الحب:
74. فجر السلام:
75. ذبول أزهار الدفلى:
76. العش المهجور:
77. أراها غدا:
78. يا نهر:
79. والأمس شعرها شعري:
80. بين الروح والجسد:
81. اللعنات:
82. عرب الثأر فاهتفي يا ضحايا:
83. في يوم فلسطين:
84. مفضوحة لم تبق طي خفاء:
85. أعاصير:
86. دجلة الغضبى:
87. مأساة الميناء:
88. صحيفة الأحرار:
89. يا أبا الأحرار:
90. وحي النيروز:
91. الهديه:
92. يوم ارتوى الثأر:
93. ليلة القدر:
94. ثورة 14 رمضان:
95. حب وشاعر:
96. خطاب والهه:
97. صياح البط البري:
98. سفر أيوب 2:
99. سفر أيوب 3:
100. سفر أيوب 4:
101. سفر أيوب 5:
102. سفر أيوب 6:
103. سفر أيوب 7:
104. سفر أيوب 8:
105. سفر أيوب 9:
106. سفر أيوب 10:
107. يقولون تحيا …:
108. القن والمجرَّة:
109. فرار عام ١٩٥٣:
110. النبوءة الزائفة:
111. ابن الشهيد:
112. في أخريات الربيع:
113. من رؤيا فوكاي:
114. حنين في روما:
115. قارئ الدم:
116. دار جدي:
117. هوًى واحد:
118. أمام باب الله:
119. إرم ذات العماد:
120. رئة تتمزق:
121. نداء الموت:
122. رسالة من مقبرة:
123. أحبيني …!:
124. في السوق القديم:
125. حفّار القبور:
126. المومس العمياء:
127. غريب على الخليج:
128. لأني غريب:
129. المسيح بعد الصلب:
130. لن نفترق:
131. عينان زرقاوان:
132. هل كان حبا:
133. سفر ايوب:
أسلوبه الشعري
يُشتهر السياب بأسلوبه الشعري المُبتكر الذي يُمزج بين التصوير الرومانسي والواقعية و أسلوب الشعر النثري، كما يُعتمد بشكل أساسي على لغة الرمز و التشبيه والاستعارة.
تأثيره على الشعر العربي
أثر السياب بشكل كبير على حركة الشعر العربي ، فقد كان احد رواد الشعر الحر في العراق مع الشاعرة نازك الملائكة و البياتي واستطاع فتح أبوابًا جديدة للشعر العربي من خلال أسلوبه المُبتكر و مواضيعه المُلهمة ، و ألهم العديد من الشعراء من بعده.
وفاته
توفي يوم 24 كانون الأول 1964م في المستشفى الأميري في الكويت، وذلك بعد صراعه مع مرض السل الذي قاده إلى العلاج في لندن وباريس. ودفن في مقبرة الحسن البصري على بعد 25 كيلومترا غربي محافظة البصرة في العراق.
خاتمة
يُعتبر بدر شاكر السياب أحد أبرز شعراء العراق و العالم العربي ، و سيظل إرثه الشعري مُلهمًا لجميع الذين يُحبّون الشعر و جمال اللغة العربية.